فصل: مسألة الرجل يتزوج المرأة ويشترط عليها ألا يتسرر عليها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة عبد أبق عن سيده فتزوج حرة ببلد وأقام معها نحوا من عشرين ليلة:

وسئل مالك عن عبد أبق عن سيده، فتزوج حرة ببلد وأقام معها نحوا من عشرين ليلة، ثم قال لها: إني عبد ولا أحب أن تخبري أحدا، فأقامت معه ولم تقض شيئا، ثم إن سيده ظهر عليه فبعث إليه فأخذه وعلم بامرأته فأقره، ثم إنه باعه من رجل فأقره على نكاحه، فلما قدم على امرأته وعلم أبوها فقال لها: إن لك الخيار، فقالت: اشهدوا أني قد طلقت نفسي. فقال لها الزوج: ليس ذلك لك، وقد كنت علمت ذلك، فقيل لها: أعلمت ذلك؟ فأقرت بعدما طلقت نفسها فقال: أرى له أن يطلقها، هذه قد طلقت نفسها، والذي أقرت به من أنها علمت به في السر ولا أدري ما هو، وقد طلقت نفسها، كأنه ضعفها عندي من وجه أنه لا بينة فيه، ثم قال: هذا أمر قد كان أوله على غير صواب.
قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أنها لا تصدق بعد أن أشهدت بطلاقها نفسها فيما أقرت به من أنه قد كانت علمت قبل طلاقها نفسها أنه عبد فرضيت المقام معه؛ إذ لا بينة على ذلك فتتهم على أنها أرادت البقاء مع زوجها بعد أن طلقت نفسها وهي في باطن الأمر زوجته باقية في عصمته إن كانت أقرت بحق، إذ ليس لها أن تطلق نفسها بعد الرضى بالمقام معه على أنه عبد، واستحب للزوج أن يطلقها إن كان يعلم أنها صادقة فيما أقرت به لتكون في سعة من نكاح غيره إن شاءت، إذ لا يجوز لها أن تتزوج سواه لأنها زوجته على ما أقرت به، إذ لا يباح له البقاء معها بما ظهر من طلاقها نفسها ولا تزويجها أيضا قبل زوج إن كانت فارقته بثلاث، فطلاقه إياها إن كانت طلقت نفسها ثلاثا أو واحدة فلم ترد أن ترجع إليه وأرادت أن تتزوج سواه لا يضره وينفعها، فهذا وجه استحباب مالك ذلك له، وقوله: هذا أمر قد كان أوله على غير صواب، لا حكم له إذ قد جاز النكاح ووجب إمضاؤه بإقرار سيده إياه.

.مسألة يتزوج المرأة ويشترط في نقدها الجارية بخمسين دينارا:

وسئل مالك عن الرجل يتزوج المرأة ويشترط في نقدها الجارية بخمسين دينارا أو السرير بكذا وكذا والفرش بمثل ذلك، ثم يعطيهم في ذلك صفة هي أدنى مما سمى لهم من الخمسين والتسمية في الفرش والأسرة، أترى ذلك له؟ قال: أرى أن تلزمه تسمية ما سمى، فقلت له: فإن ذلك إنما يفعلونه إرادة السمعة ويعطون أدنى من ذلك. قال هذا أمر لا أعرفه ببلدنا، وأرى أن تلزمه التسمية، قلت: ماذا ترى في مثل هذا إذا كان أمرا ينكحون عليه؟ قال كنت أرى للإمام أن يتقدم في ذلك وفي الصداق الذي ينكح به أهل مصره.
قال محمد بن رشد: ألزمه تسمية ما سمى من الأثمان في الثياب إذ لم يصح عنده العرف الذي ذكر له في ذلك فقال: هذا أمر لا أعرفه ببلدنا، ولو صح عنده العرف لحكم به؛ لأن الحكم به أصل عنده، ولوجب إذا سمى في ذلك من الأثمان ما لا يشبه حال المرأة مثل أن تكون المرأة الدنية فيسمي لها رداء كتان بعشرين دينارا أو درع خز بثلاثين دينارا أو ما أشبه ذلك مما يعلم أنه لم يقصد به إلا التسمية، فتعطى وسطا مما يشبهها ولا تعطى بالتسمية، وقد حكى ذلك ابن حبيب في الواضحة عن أصبغ، وهو تفسير للمذهب، والله أعلم.

.مسألة رجل ضعيف العقل تزوج فأراد وليه تغيير ذلك:

وسئل مالك عن رجل ضعيف العقل تزوج فأراد وليه تغيير ذلك، قال إن كان مولى عليه لم أره نكاحا جائزا، وإن كان على غير ذلك فهو جائز.
قال محمد بن رشد: هذا على المشهور المعلوم من مذهب مالك أن أفعال السفيه جائزة حتى يضرب على يده خلاف المشهور من مذهب ابن القاسم في مراعاة الحال دون الولاية، وقد روي عن ابن القاسم مراعاة الولاية مثل المشهور من مذهب مالك، وعن مالك مراعاة الحال دون الولاية مثل المشهور من مذهب ابن القاسم، وبالله التوفيق.

.مسألة الرجل يخطب الأمة فيقول له سيدها أنا أزوجكها:

ومن كتاب أوله المحرم يتخذ الخرقة لفرجه:
وسئل مالك عن الرجل يخطب الأمة فيقول له سيدها: أنا أزوجكها، فقال: إني أخاف أن أصيبها بشيء فيكون علي، قال: أنا أزوجكها على أن لا شيء عليك مما أصبتها به، قال: أراه غير جائز، وقال عيسى: يفسخ هذا النكاح قبل البناء ويثبت بعد البناء.
قال محمد بن رشد: يريد: ويكون فيه صداق المثل لا المسمى، وقد اختلف في هذا النوع من الأنكحة الفاسدة على ما ذكرنا في آخر رسم من قبل هذا، فقف على ذلك.

.مسألة الرجل يتزوج المرأة ويشترط عليها ألا يتسرر عليها:

وسئل مالك عن الرجل يتزوج المرأة ويشترط عليها ألا يتسرر عليها، والذي يشترط الرجل والمرأة لا يرون إلا أن التسرر هو الحمل، فيتزوج على ذلك، فيريد أن يطأ جاريته، أذلك له؟ قال: أرأيت الذي طلق البتة وهو يرى أنها واحدة أينفعه؟ فقلت: أهو مثل ذلك؟ قال: نعم، لا أرى أن ينفعه ما جهل من ذلك، وأرى ذلك يلزمه، قال سحنون: لا يعجبني ما قال، ولا بأس أن يطأ جارية إن كانت عنده ولا يلزمه إذا كان ذلك عندهما هكذا، قال سحنون: وهو قول مالك.
قال محمد بن رشد: الاختلاف في هذه المسألة على اختلافهم في اليمين إذا عريت من النية، هل يحمل على اللفظ أو على ما يعلم من قصد الحالف على ما قد مضى القول فيه في غير ما موضع من كتاب النذور، ويأتي في كتاب الأيمان بالطلاق. والأظهر الأشهر حمل اليمين على ما يعلم من قصد الحالف، فقول سحنون في هذه المسألة وما حكاه عن مالك هو أظهر القولين، وفي تنظير هذه المسألة بالطلاق بُعدٌ، لأن للفظ الطلاق حكما يؤخذ به المطلق ولا يصدق في أنه جهل ذلك ولم يرد به الطلاق، وهو معنى قوله: أينفعه ذلك، يريد أنه لا يصدق فيه إذا ادعاه ولم يأت مستفتيا. وقد قيل: إن من لفظ بالطلاق لزمه الطلاق وإن لم يرد به الطلاق، ولا اختلاف بينهم في أن للحالف ما نوى فيما بينه وبين الله تعالى، ولو نوى الذي شرط لامرأته أن لا يتسرر عليها بلفظة التسرر التي لفظ بها الحمل دون الوطء لكانت له نيته فيما بينه وبين الله تعالى قولا واحدا، والله أعلم، ومعنى المسألة أن الشرط كان بتمليك، ولذلك حصل الاختلاف فيها على الوجه الذي ذكرته، وأما لو كان بطلاق أو عتق لصح تنظيرها بالطلاق ولما وسع فيها الاختلاف، وبالله التوفيق.

.مسألة يتزوج المرأة ويشترط لها أن كل امرأة يتزوجها عليها فأمرها بيدها:

وسئل مالك عن الرجل يتزوج المرأة ويشترط لها أن كل امرأة يتزوجها عليها أو يتسرر عليها إلا برضاها فأمرها بيدها، فأذنت له أن يتزوج عليها أو يتسرر وأنه من ذلك في سعة قال: ما يعجبني ذلك إلا أن يكون ذلك عندما يريد أن يفعل في كل ما يريد، فقيل له: إنها قد وسعت عليه، قال: لا يعجبني إلا عندما يريد أن يفعل، قال ابن القاسم وسمعته غير سنة ثبت على هذا القول.
قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة والاختلاف فيها في أول رسم من هذا السماع، فلا معنى لإعادته هنا، وبالله التوفيق.

.مسألة ينكح المرأة ويشترط في صداقها إن لم يأت به إلى أجل فأمرها بيدها:

وسئل عن الرجل ينكح المرأة ويصدقها صداقا ويشترط في صداقها إن لم يأت به إلى أجل فأمرها بيدها، فإن هذا نكاح ليس بحسن، وأراه مفسوخا، فقيل له: أينفسخ الشرط ويثبت النكاح؟ فقال: لا ولكن يفسخ النكاح، أشهب يقول: يفسخ الشرط ويثبت النكاح، وسحنون يقول: النكاح جائز دخل أو لم يدخل، وهو قول المدنيين والتونسيين.
قال محمد بن رشد: قوله: ولكن يفسخ النكاح، يريد قبل الدخول ويثبت بعده، كذلك قال ابن القاسم في رسم باع شاة من سماع عيسى، ورواه عن مالك في كتاب ابن المواز، وإذا ثبت بعد الدخول بطل الشرط وكان فيه الصداق المسمى، وقول أشهب يفسخ الشرط ويثبت النكاح يريد قبل النكاح وبعده بالصداق المسمى، وقول سحنون: النكاح جائز دخل أو لم يدخل، يريد والشرط لازم، ومثله روى أشهب عن مالك، وقد روى مثله عن ابن القاسم وأشهب، وهو أظهر الثلاثة الأقوال لأنه تمليك انعقد عليه النكاح قد لا تطلق المرأة نفسها إن لم يأت بالصداق فلا يشبه ذلك الخيار في النكاح بقوله إن لم يأت بالصداق إلى أجل كذا وكذا فلا نكاح بينهما، وإنما يشبهه لو قال: إن لم يأت بصداقها إلى أجل كذا وكذا فهي طالق، وليس ذلك بشبه بين، وإنما كرهه من كرهه مخافة الذريعة إلى ذلك، فكأن المرأة قالت له لا أتزوحك إلا على أنك إن لم تأتني بصداقي إلى أجل كذا وكذا فلا نكاح بيني وبينك، فلما قيل لهما: إن ذلك لا يجوز، قال: فأنا أتزوجك على أني إن لم آت بصداقك إلى ذلك الأجل فأمرك بيدك، أو: فأنت طالق، فمن قويت الكراهة في ذلك عنده فسخ النكاح قبل الدخول، وهو قول ابن القاسم وروايته عن مالك ولم يفسخه بعد الدخول، ومن ضعفت عنده الكراهة في ذلك أجاز العقد وأبطل الشرط وهو قول أشهب.

.مسألة امرأة تزوجها رجل فأسكنها مع أبيه وأمه فشكت الضرر في ذلك:

وسئل مالك عن امرأة تزوجها رجل فأسكنها مع أبيه وأمه فشكت الضرر في ذلك فقال: ذلك له أن يسكنها معهم، فقيل له: فإنه يقول: إن أبي أعمى، ولا أغلق دوني ودونه بابا، قال: ينظر في ذلك فإن رئي ضرر، كأنه يقول: إن رئي ضرر أن يحولها عن حالها.
قال محمد بن رشد: وكذلك ليس له أن يسكن معها أولادا له من امرأة أخرى في بيت واحد ولا في دار واحدة، إلا أن ترضى بذلك، قاله في سماع سحنون من كتاب طلاق السنة، وذلك لما عليها في ذلك من الضرر لاطلاعهم على أمرها وما تريد أن تستر به عنهم من شأنها، وأمر الأعمى أخف في ذلك؛ إذ لا يبصر شيئا من أمورها، وقد «قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لفاطمة بنت قيس: اعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك» فأوقف مالك رَحِمَهُ اللَّهُ أمر الأعمى على النظر وحمله على غير الضرر حتى تثبت المرأة أنه يضر بها لأن قوله: فإن رئي ضرر، معناه: فإن ظهر ذلك وثبت وعلم، والله أعلم.
وقال ابن الماجشون في المرأة تكون هي وأهل زوجها في دار واحدة، فتقول: إن أهلك يؤذونني فأخرجهم عني، أو أخرج عنهم: رب امرأة لا يكون ذلك لها يكون صداقها قليلا وتكون وضيعة القدر، ولعله أن يكون على ذلك تزوجها وفي المنزل سعة، فأما ذات القدر واليسار فلابد له أن يعزلها، وإن حلف ألا يعزلها حمل على الحق، أبره ذلك أو أحنثه، وليس قول ابن الماجشون عندي بخلاف لمذهب مالك، فمن لا يشبه حالها من النساء أن يسكنها زوجها في دار على حدة وله أن يسكنها في دار جملة فليس لها على زوجها أن يخرج أبويه عنها إلا أن يثبت إضرارهما بها، وستأتي في رسم الطلاق من سماع أشهب من هذا المعنى، والله الموفق.

.مسألة الرجل ينكح بعد رمي الحجارة قبل أن يفيض:

ومن كتاب أوله من كان منزله دون الميقات:
قال مالك في الرجل ينكح بعد رمي الحجارة قبل أن يفيض: يفسخ نكاحه بغير طلاق ويكون خاطبا من الخطاب.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن العلة في أن المحرم لا يجوز له النكاح هي أنه لا يحل له النساء، ولا يحل له النساء وإن رمى الجمرة وحل من بعض إحرامه حتى يطوف طواف الإفاضة لقول عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ في خطبته بعرفة: إذا جئتم منى فمن رمى الجمرة فقد حل له ما حرم الله عليه، إلا النساء والطيب، لا يمسن أحد نساء ولا طيبا حتى يطوف بالبيت، قال ابن المواز: وكذلك لو نسي من طواف الإفاضة شوطا واحدا فرجع إلى بلاده فنكح، فإن نكاحه يفسخ ويرجع حراما حتى يتم طوافه ويحل، ولو تزوج بعد كمال الطواف وقبل الركعتين فإن كان قريبا بحيث يجب عليه أن يرجع فيتبدئ طوافه، فسخ النكاح، وإن كان قد تباعد جاز ولم يفسخ، ولو تزوج بالقرب فلم يعلم بذلك حتى بعد جرى ذلك على الاختلاف في المريض يتزوج فلا يعلم بذلك حتى يصح، ولا يدخل هذا الاختلاف في المحرم يتزوج فلا يعلم بذلك حتى يحل من إحرامه، وقد حكى الفرق بين الموضعين أبو إسحاق. وأما قوله: إنه يفسخ بغير طلاق، فقد مضى القول فيه في رسم الشريكين، والله الموفق.
تم كتاب النكاح الأول بحمد الله تعالى.

.كتاب النكاح الثاني:

.مسألة العبد يتزوج الحرة فتعتق وتتصدق بغير إذنه ولا مؤامرته بأكثر من الثلث:

كتاب النكاح الثاني من سماع أشهب وابن نافع من مالك رواية سحنون من كتاب الأقضية قال سحنون: قال أشهب وابن نافع: سئل مالك عن العبد يتزوج الحرة فتعتق وتتصدق بغير إذنه ولا مؤامرته بأكثر من الثلث، قال: ما أرى ذلك لها، وهو زوج بمنزلة الحر، وله حق، ولعله أن يكون زاد لها في المهر لما لها، رجاء أن يتجمل به وأن تعينه في النفقة، ولعله سيعتق يوما من الدهر، قيل: أرأيت إن كان له منها ولد أترى له الكلام في ذلك بأن يقول: تتركين ولدي لا مال له؟ أم لا يكون له إذا لم يكن له ولد؟ فقال: ذلك سواء، إذا كان له منها أو لا ولد له منها، أرأيت الحر يكون له الولد أو لا ولد له أليس سواء في ذلك؟ فالعبد مثله.
قال محمد بن رشد: مثل هذا لابن القاسم في سماع أبي زيد من كتاب الهبات، وقد احتج مالك للمساواة بين الحر والعبد في هذا بمعان ظاهرة بينة ويؤيدها قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يجوز لامرأة قضاء في ذي بال من مالها إلا بإذن زوجها»، فعم ولم يخص حرا من عبد، فوجب أن يحمل الحديث على ظاهره من العموم لاسيما إذا دلت المعاني على ذلك، ولولي المولى عليه أن يمنع زوجته من أن تعطي أكثر من ثلث مالها، قاله ابن المواز، وقد روى أصبغ عن ابن وهب في سماعه من كتاب المديان والتفليس أن العبد ليس له أن يحجر على امرأته في شيء من مالها بخلاف الحر، وقال: والله ما اجتمع الناس في الحر رأسا فكيف العبد؟ وقول مالك أولى، وحجته أقوى.

.مسألة المرأة تتزوج الرجل بعبد بعينه فيموت في يده قبل أن تقبضه المرأة:

وسئل عن المرأة تتزوج الرجل بعبد بعينه فيموت في يده قبل أن تقبضه المرأة، قال: ضمانه منها إذا كانت العهدة قد مضت، وكذلك الذي يشتري العبد ثم يموت في يد البائع قبل أن يقبضه المشتري فضمانه من المشتري إن كانت العهدة قد مضت، ولو نما العبد كان لها فكذلك إذا مات يكون عليها، قيل له: أرأيت أنه لو دفع إليها العبد فمات عندها ثم طلقها من قبل أن يمسها أيرجع عليها بنصف قيمة العبد يوم دفعه إليها؟ قال: أحر بذلك، قال أشهب: لا ترجع بشيء إذا مات، قال ابن نافع مثله، وهو قول مالك.
قال محمد بن رشد: رأى مالك في رواية أشهب هذه في العبد المنكح به العهدة خلاف قول ابن القاسم في سماع سحنون من كتاب العيوب، وظاهره في كتاب الزكاة الأول والنكاح الثاني من المدونة، وجه القول الأول القياس على البيوع بأن يجعل الصداق ثمنا للبضع، ووجه القول الثاني أن النكاح طريقه المكارمة لا المكايسة وأن الصداق ليس بثمن للبضع على الحقيقة، وإنما هو نحلة من الله أوجبه للزوجات على أزواجهن لا عن عوض، لأن المباضعة بينهما واحدة فهي تستمتع به كما يستمتع بها، وأما قوله: إن ضمانه من المرأة وإن مات بيد الزوج قبل أن تقبضه فالمعنى في ذلك أن له أن يدخل بها وتكون مصيبة منها، وهذا ما لا أعلم فيه اختلافا في المذهب، فهو يقضي بصحة قول من قال: إن لها جميع الغلة من يوم تزوجها طلقها أو لم يطلقها، ويكون الزوج إن طلقها مستحقا لنصف الصداق يوم طلقها بالطلاق فلا يكون له من غلة ما مضى شيء خلاف ما ذهب إليه ابن القاسم من أن الغلة بينهما نصفين من أجل أنه لو مات ثم طلقها كانت المصيبة منها، ورأى مالك في هذه الرواية للزوج على المرأة إن طلقها وقد مات العبد في يديها نصف قيمته فقال: أحر بذلك، وكذلك يلزم على طرد قوله: وإن مات بيده قبل أن تقبضه وإن كان ذلك لا يوجد لهم، ويأتي ذلك أيضا على القول بأن المرأة يجب لها جميع الصداق المسمى بالعقد ويسقط نصفه بالطلاق وجميعه بالارتداد، ويأتي مذهب ابن القاسم في أن الغلة بينهما على قياس قول من يقول: إن المرأة لا يجب لها بالعقد من التسمية إلا نصفها ولا تستحق النصف الثاني إلا بالدخول أو الموت، وفي كلا القولين نظر، إذ لو وجبت لها التسمية بالعقد لما سقطت بالارتداد كما لا تسقط به بعد الدخول، ولو لم يجب لها بعد العقد إلا نصفها لما وجب لها النصف بموتها لأن الموت لا يوجب للميت حقا لم يكن واجبا له قبل، والذي يصح أن يعبر به في ذلك أن يقال: إن التسمية تجب لها بالعقد وجوبا غير مستقر، ويستقر لها نصفها بالطلاق وجميعها بالموت أو الدخول، وبالله التوفيق.

.مسألة تزوجت أزواجا ولها بالمدينة أولاد فأراد أبوها الارتحال بها معه وأبت:

وسئل عن امرأة تزوجت أزواجا ولها بالمدينة أولاد فأراد أبوها الارتحال بها معه وأبت ذلك، وقالت: لا أفارق ولدي، فقال: ليس ذلك له أن يخرج بها.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنها مالكة لأمر بنفسها فلا حق له عليها في الخروج بها، ولو كانت سفيهة غير مالكة لأمر نفسها لكان له الارتحال معها على معنى ما وقع في سماع أشهب من كتاب المديان والتفليس، وبالله تعالى التوفيق لا رب غيره.

.مسألة توفي وترك ابنته مع أمها فتزوجت أمها فأخذتها أم أمها وللجارية عمة:

ومن كتاب الأقضية الثاني:
وسئل مالك عمن توفي وترك ابنته مع أمها فتزوجت أمها فأخذتها أم أمها وللجارية عمة أخت أبيها فحالوا بينها وبين رسول عمتها فقال: ليس لهم أن يمنعوا رسولها يأتي فيسلم ويعود، وليس لهم أن يمنعوها أن تأتي عمتها فتسلم عليها في الفرط.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن منعها من عمتها ومنع رسول عمتها منها قطع لما أمر الله به من صلة الأرحام، قال عز وجل: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} [النساء: 1] أي الأرحام أن تقطعوها، وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «اتقوا الله وصلوا الأرحام فإنه أمنى لكم في الدنيا وخير لكم في الآخرة»، وقد أثنى الله عز وجل على من انتهى إلى ما أمر به من صلتها فقال: {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ} [الرعد: 21] الآية، وبالله التوفيق.

.مسألة يكون له بيت لنفسه وله نساء يأتينه في بيته ولا يأتيهن في بيوتهن:

وسئل عن الرجل يكون له بيت لنفسه وله نساء تأتيه كل واحدة منهن يومها في ذلك البيت ولا يأتيهن في بيوتهن، فقال مالك: ما أرى ذلك إن أبين أن يطاوعنه، وإن كان ذلك نصفة بينهن، رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يأتي أزواجه في بيوتهن.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه واجب أن يقتدي بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أفعاله كما يجب أن ينتهي إلى أقواله، قال عز وجل: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ} [الأعراف: 157]، وقال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]، فيقضى على الرجل أن يسكن كل واحدة من زوجاته في بيت، ويقضى عليه أن يدور عليهن في بيوتهن لا يأتينه إلا أن يرضين، قال ذلك محمد بن عبد الحكم، وهو صحيح على مذهب مالك، وقد روي عن مالك فيمن قال لامرأته: أنت طالق إن وطئتك إلا أن تأتيني: إنه مول إذ ليس عليها أن تأتيه.

.مسألة تزوجت ابنتها فأرادت الخروج بها لتصلح منها وزوجها بذلك راض:

وسئل عن امرأة لها بنت، قد تزوجت ابنتها فأرادت أمها الخروج بها تتبدى وتصلح منها، وزوجها بذلك راض ولم يدخل بها بعد، فقالت: فمنعني منها ابن عمها، قال مالك: وكم بين منزلك وبين الموضع الذي تريد أن تتبدي إليه؟ فقالت: ميلان، فقال: ما أرى بذلك بأسا أن يخرج بها إلى المكان القريب وزوجها راض.
قال محمد بن رشد: هذا صحيح على ما في المدونة من أن الأم ليس لها أن تنقل بنيها الذين تحضنهم عن الموضع الذي فيه والدهم أو أولياؤهم إلا إلى الموضع القريب البريد ونحوه حيث يبلغ الأب أو الأولياء خبرهم، فإذا رضي الزوج بإخراجها إياها إلى المكان القريب لم يكن لوليها في ذلك كلام، وقد روي عن مالك أن لها أن تخرج بهم إلى مسافة المرحلة، ثم رجع فقال: لا أرى لها أن تضر بأوليائهم.

.مسألة رجل كان يأكل من مال امرأته فسكتت ثم بعد ذلك طالبته بذلك:

وسئل، قال لمالك رجل: إني كنت آكل من مال امرأتي وهي تنظر لا تغير ذلك علي ولا أستأذنها فيه، فأقامت سنين ثم قالت: أعطني ما أكلت من مالي، ودخلتها غيرة، أترى ذلك علي؟ قال: نعم أعطها أو استطب نفسها.
قال محمد بن رشد: هذا صحيح على قياس قوله في المدونة في كتاب النكاح الثاني في التي أنفقت على زوجها ثم طلبته بما أنفقت عليه، أن ذلك لها إلا أن يرى أنه كان منها له على وجه الصلة لأنه إذا كان لها أن تتبعه بما أنفقت عليه هي من مالها، فأحرى أن يكون لها أن تتبعه بما أنفقه هو على نفسه من مالها وهي تنظر ولا تغير، وهو أصل قد اختلف فيه، إذ لا فرق بين أن يأكل مالها وهي تنظر فلا تغيره ولا تنكر، أو يسكن معها في دارها ثم تطلبه بالكراء، وقد اختلف قول ابن القاسم في هذا في المدونة. وإذا وجب لها الرجوع عليه بذلك فبعد يمينها أنها إنما سكتت على أن تطلب بحقها في ذلك، ومن هذا المعنى هبة أحد الزوجين صاحبه إذا ادعى أنه أراد بها الثواب، وقد اختلف في ذلك على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه لا ثواب له إلا أن يرى أنه أراد بذلك الثواب، وهو قول مالك في المدونة، والثاني: أنه لا ثواب له إلا، أن يشترطه، وهو ظاهر قول ربيعة فيها، وقول مالك الذي يتلوه لقول سحنون وقال مالك والليث مثله، والثالث: أن له الثواب وإن لم يظهر ما يدل على أنه أراد بذلك الثواب، حكى هذا القول عبد الوهاب في المعونة.

.مسألة المرأة يقضى لها بصداق نسائها أيقضى لها بصداق أمهاتها أو عماتها:

ومن كتاب الطلاق:
قال: وسألته عن المرأة يقضى لها بصداق نسائها أيقضى لها بصداق أمهاتها أو عماتها؟ قال: لا يقضى لها بصداق واحدة منها، إنما يقضى لها بصداق مثلها على مثل حالها في زمانها الذي هي فيه، أين صداق النساء اليوم من صداق من مضى؟ كانت المرأة صداقها قبل اليوم أربعمائة درهم، وصداقها اليوم عشرون درهما.
قال محمد بن رشد: مذهب مالك أن يعتبر في فرض صداق المثل في نكاح التفويض بصدقات نسائها إذا كن على مثل حالها من العقل والجمال والمال، فلا يكون لها مثل صداق نسائها إذا لم تكن على مثل حالها، ولا مثل صداق من لها مثل حالها إذا لم يكن لها مثل نسبها، والدليل على ذلك من مذهبه قوله في المدونة: ولكن ينظر إلى أشباهها في قدرها وجمالها وموضعها أي موضعها من النسب، فاشتراط الموضع يدل على أنه أراد بقوله فيها: لا ينظر في هذا إلى نساء قومها أنه لا يفرض لها مثل صدقات نساء قومها إذا لم تكن على مثل حالها من المال! والجمال والعقل، فالاعتبار عنده بالوجهين جميعا، إذ قد تفترق الأختان في الصداق كما قال فيها بأن تكون إحداهما لها المال والجمال والشطاط، والأخرى ليس لها شيء من ذلك، فمعنى قوله في هذه الرواية: لا يقضى لها بصداق واحدة منها يريد إذا لم تكن على مثل حالها وفي زمانها أيضا إذ قد تختلف الصدقات باختلاف الأزمنة على ما قال، وقد تأول بعض الناس على مالك أنه إنما ينظر إلى أمثالها من النساء في جمالها ومالها وعقلها ولا ينظر إلى نساء قومها، وليس ذلك بصحيح على ما بيناه من مذهبه في المدونة، ونساء قومها اللواتي يعتبر بصداقهن أخواتها الشقائق وللأب وعماتها الشقائق أيضا وللأب، ولا يعتبر في ذلك بصدقات أمهاتها ولا خالاتها ولا أخواتها للأم ولا عماتها للأم، لأنهن من قوم آخرين، فقد تكون هي قرشية يرغب فيها لنسبها وتكون أمهاتها وأخواتها للأم وعماتها للأم من الموالي، والأصل في الاعتبار بنساء قومها في ذلك «حديث عبد الله بن مسعود روي أنه أتي إليه في امرأة توفى عنها زوجها ولم يفرض لها صداقا ولم يدخل بها فترددوا إليه فلم يفتهم، فلم يزالوا به حتى قال: إني سأقول فيها برأي، أرى لها صداق نسائها لا وكس ولا شطط، وعليها العدة، ولها الميراث، فقام معقل بن سنان فشهد أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى في بروع بنت واشق الأشجعية بمثل ما قضيت، ففرح بذلك عبد الله». ومن الناس من يعتبر نساء قومها دون حالها هي، حكى ذلك الطحاوي عن أبي حنيفة وأصحابه والشافعي، وهو بعيد، وبالله التوفيق.

.مسألة طلب المرأة أن تزوج من كفؤ ووليها غائب:

وسمعته كتب إلى ابن غانم يقول: وسألت عن المرأة ترفع إليك أنها تريد التزويج فتسألها هل لها ولي فتذكر أن لها عمها أو أخاها أو ابن عم على مسيرة الثلاث أو الأربع أو أكثر من ذلك في شأنه وضيعته لا يقدم القيروان، وتسألك أن تزوجها رجلا كفؤا يقول: وربما كان ولي المرأة مولاها الذي أعتق أبوه أباها هل ينزل منزلة الأخ والعم وإني أرى إذا كان أمرها على ما وصفت من حالها وغيبة ولاتها وكفاءة من تدعو إليه أن تزوجها ولا يضرها عندك غيبة ولاتها الذين وصفت فالسلطان ولي مثلها، وهو أحد الولاة الذين سمى عمر بن الخطاب عنه لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها أو ذي الرأي من أهلها أو السلطان.
قال محمد بن رشد: هذه المسألة صحيحة على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة في أن حديث عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها أو ذي الرأي من أهلها أو السلطان معناه عنده الترتيب في الاختيار لا في الوجوب؟ لأنه يقول: إن أولياء المرأة أحق بإنكاحها من ذوي الرأي، وذو الرأي أحق من السلطان، ومن قرب من الأولياء أحق ممن بعد. فإن زوج البعيد دون القريب مع حضوره أو من هو من ذوي الرأي منها دون الولي مع حضوره، أو السلطان دون الأولياء مع حضورهم مضى النكاح، ولم يكن للأقرب أن يرده، ويأتي على مذهب من حمل حديث عمر على الترتيب في الوجوب ورأى للولي الأقرب إذا زوج الولي الأبعد الخيار في رد النكاح أو إمضائه على ما حكى سحنون في المدونة عن جماعة من الرواة أن لا يكون للسلطان أن يزوج المرأة في مغيب أوليائها إذا كانت غيبتهم قريبة على الثلاث والأربع ونحو ذلك حتى يعذر إليهم بمنزلة الإعذار في الحقوق، وبالله التوفيق.

.مسألة خطبها ولها بنت صغيرة فتزوجها وهو يعلم ثم أمرها بإخراج ابنتها:

وسئل مالك عن امرأة خطبها رجل ولها بنت صغيرة لم تل نفسها فتزوجها وهو يعلم ذلك ثم بنى بها وابنتها معها ثم قال لها بعد: أخرجي ابنتك عني، أترى ذلك له؟ قال: ما أرى ذلك له.
قال محمد بن رشد: ظاهر قوله، أنه إذا تزوجها وهو يعلم بابنتها ثم بنى بها وهي معها، فليس له أن يخرجها وإن كان لها من أوليائها من يحضنها، والوجه في ذلك أنه لما بنى بها وهي معها فقد رضي ألا يخرجها عنها، ولو لم يعلم بها أو علم بها وأبى في البناء عليها وهي معها لكان له ألا تكون معه إذا كان لها من أوليائها من يحضنها، فسواء علم بها أو لم يعلم ليس له أن يحول بينها وبن أمها للضرورة إلى ذلك، وهي امرأته إن شاء أمسك على أن تكون ابنتها معها وإن شاء طلق، هذا الذي ينبغي أن يحمل عليه قول مالك، والله أعلم، قال ابن الماجشون في الواضحة: علم أنه معها فأراد إخراجه من بيتها وأبت الأم، فله ذلك إن كان له أب أو ولي من رجل أو امرأة تأخذه إلى نفسه، وإن لم يكن له أحد فليس له أن يخرجه، وعلى ذلك نكح، فأما قوله: إنه إن علم بها فله أن يخرجها من بيته فوجهه أنه لم يجعل بناءه عليها وهي معها رضى منه باستمرار كونه معها، وأما قوله: فإن لم يكن له أحد فليس له أن يخرجه وعلى ذلك نكح فيدل على أنه لو لم ينكح على ذلك لكان له ألا يكون معه وإن لم يكن له أحد يأخذ لنفسه ويؤويه إليه، وهو بعيد جدا، والله أعلم، وقد مضى في رسم المحرم القول في تسكين الرجل مع زوجته بنيه من غيرها أو أبويه، وبالله التوفيق.